فابيولا بدوي: "البيضة أم الفرخة".. أهم معاييرنا لإنصاف النساء


         Jess Wade

لن أجادل في أن المرأة حول العالم قد نالت حقوقاً كثيرة، لكنها بطعم المرارة والغبن، خصوصاً أننا نكتشف كل يوم حجم التعتيم اللافت للنظر الذي يلف نجاحاتها ومسيرتها حتى ممن يدعون مناصرتها، فنظرة واحدة لما حققته الفيزيائية البريطانية الشابة جيس واد (33 عاماً) قادرة على كشف ما تعانيه النساء حتى هذه اللحظة من تهميش وظلم (أتحدث هنا عن الناجحات منهن اللاتي حصلن على كثير من حقوقهن، فما بالنا بالأخريات). 

وحدها المصادفة هي ما قادتني إليها من خلال خبر منشور بإحدى الصحف مكنني من متابعة ما تفعله جيس واد لأتعرف على قدراتها وتصميمها على إنصاف المرأة في مسيرتها العلمية المحاصرة بالتجاهل مثلها في ذلك مثل نظيراتها في المجالات كافة، ولا عزاء هنا لمن يتبارون في طرح التساؤلات: ماذا تريد المرأة أكثر من ذلك؟ 

ومثلما قادتني الصدفة إليها، أجدها هي أيضاً مصادفة غيرت حياتها وقادتها لما هي عليه الآن. باختصار، اكتشفت وايد في العام 2017 خلال جلسة جمعتها بعالمة المناخ الأمريكية القديرة، كيم كوب، أنه لا توجد صفحة خاصة بها على ويكيبيديا للتعريف بها وبأبحاثها ومسيرتها المهمة، فتابعت البحث وسرعان ما تأكدت من أن العالمات يندر وجودهن في هذه الموسوعة الإلكترونية. 

حينها بدأت على مدى خمس سنوات في حملة للترويج عن العالمات في الموسوعة الإلكترونية، فأنشأت حتى اليوم 1750 صفحة لعالمات من جميع أنحاء العالم، لإبراز عملهن الذي هو غالباً غير معروف لعامة الناس، فما بين التجاهل في الإعلام وفي مجال التوثيق، تعيش العالمة وتغادر عالمنا من دون أي يعرف عنها أحد أي شيء. 

1750 تم التعريف بهن خلال خمس سنوات، من المستحيل ألا يصدمنا هذا الرقم، وألا
يدفعنا للتساؤل: أين كن، وماذا عن البقية؟ ولماذا يحتكر الرجال حتى الموسوعات الإلكترونية؟ على من تقع المسؤولية؟ 

سأحاول الإجابة بشكل مبسط جداً، فهذا الجهد وما نحن أمامه اليوم يكشف لنا ببساطة، أن المرأة ما زالت تدور في معضلة "البيضة والفرخة أيهما الأسبق"، وأبسط مثال على هذا أن نظرة واحدة على الموسوعة الإلكترونية (ويكيبيديا)، يمكن أن تدفعنا لتتبع ما يحدث ألا وهو وجود موقع تعاوني معروف مع ويكيبيديا مهمته التحقق من صحة الأوراق التي يكتبها المتطوعون، ليكتشف الباحث عن الحقيقة أن هذا الفريق يعتمد على معايير الشهرة لتقرير ما إذا كانت الصفحة تستحق النشر أم لا، وهو معيار يجعل المرأة في ذيل القائمة، وللحق ليست وحدها، فالملونين أيضاً لهم نصيب الأسد من الغبن، إلا أن حديثي هنا ينصب بسبب جيس واد على النساء اللاتي جعلهن هذا المعيار العبثي عالقات في هذه المساحة الضبابية الغريبة، فكيف ستغدو المرأة مشهورة وهي مستبعدة في سوادها الأعظم، ويتم تجاهلها وتهميشها ولا يكشف عن إنجازاتها عبر التاريخ، وحتى الآن إلا مصادفة أو حينما تحصل على جائزة تجبر الجميع على تسليط الأضواء عليها، وما دامت ليست بالشهيرة، ومعيار الشهرة أساسي (لا أتحدث هنا عن ويكيبيديا العربية فهي غالباً غير دقيقة بالمرة) لإدراج إنجازاتها بشكل لائق ومحقق موثوق فيه، فنحن بالقطع أمام بيضة أو دجاجة لا نعرف أيهما سبق الآخر، ويغدو تجاهل الحقائق والمنطق والمساحة التي نفت المرأة ببراعة نوع من التنظيم الذي يجب أن نصفق له. 

نحن لن نفعل ولن نهلل لمثل هذه الادعاءات التي دللت على هشاشتها فيزيائية شابة قد تمكنت بإرادتها من كسر هذه المعايير الملتبسة، فتعرفنا من خلالها إلى هذا العدد الهائل من إنجازات النساء في مجال واحد، فقط لأنها آمنت بأن تعزيز مكانة المرأة في المجتمع العلمي يمكن أن يبدأ بكتابة الملفات على المنصة التشاركية، والبقية آتية لأن لديها إصراراً، فبحسب تصريحاتها للواشنطن بوست، أكدت أنه لا يزال أمامها عمل كبير يتعين عليها القيام به تجاه ما قدمته المرأة في المجال العلمي. 

وهنا نطرح تصوراً حول ماذا لو أننا قد تتبعنا مسيرة المرأة على مر التاريخ في المجالات كافة؟ وماذا لو تحولت حملة جيس وايد إلى حملات وحملات؟ هل يمكننا للحظة تخيل كيف ستتغير الأوضاع، وحجم الجهد الذي سنوفره للرد على التساؤلات البلهاء التي نسمعها ليل نهار، حول ما حققته المرأة على الرغم من نيلها لقدر كبير من حقوقها (ما يخص حديثي الحقوق ينسحب على الغرب، أما في بلادنا فنحن ما زلنا نقف في منطقة أخجل من ذكرها).

بإمكاننا جعل ويكيبيديا مساحة رحبة للمساواة بين الجنسين لأنها للأسف تعاني حتى يومنا هذا نقص المحتوى الواضح فيما يخص المرأة بشكل عام وفي المجالات كافة، طبقاً لما أكدته نائبة مدير الاتصالات بمؤسسة ويكيبيديا في حوار لها حينما أشارت إلى أن النسبة المئوية للصفحات باللغة الإنجليزية التي تعرض السيرة الذاتية للنساء قد زادت خلال السنوات الثلاث الأخيرة وحتى شهر أكتوبر الحالي من 15 إلى 19%. 

في السياق نفسه أكدت مجموعة المحررين الذين يقومون بحملات للحد من عدم المساواة بين الجنسين على ويكيبيديا على صفحتهم الخاصة، أن نسبة الـ19% هي ضمن أكثر مما يقرب من مليوني صفحة سيرة ذاتية بالإنجليزية.

من دون أي مبالغة، فإنني أمام هذه الأرقام أشعر على الفور بشعورين متناقضين، الأول فخور بهذا الجهد الكبير المبذول من قبل مجموعة مميزة من النساء ينصب اهتمامهن على التعريف بإنجازات وإسهامات المرأة في العالم، أما الثاني فهو الإحباط الكامل تجاه هذا التجاهل المتعمد لنفي النساء بشتى الوسائل، وأحياناً غير متعمد لكنه نتيجة للإهمال الطويل ولعدم وجود مساحة اهتمام حقيقية منصفة للمرأة في أعماق المهتمين والمعنيين. 

الأهم، أن الشعورين ما هما إلا نتاج مهزلة حقيقية تمس مكانة المرأة على مر الأزمان، وهذا ليس شعوري وحدي بل هو قدر ضئيل مما شعرت به جيس وايد ونساء أخريات صدمتهن مثل هذه الأرقام فغيرت مسارهن، لهن جميعاً منا كل الدعم. 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

سيزا نبراوي تتحدى نفسها وجمود مجتمعها(3)

وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت

الجزء الثاني _ منيرة ثابت المرأة التي فقدت بصرها كي ترى النساء النور