الجزء الثاني _ منيرة ثابت المرأة التي فقدت بصرها كي ترى النساء النور

 فتاة صغيرة لديها من المواهب ما جعلها محط الانظار منذ سن 17، فكانت أول فتاة مصرية تحصل على شهادة الحقوق تحديدا من المدرسة العليا الفرنسية للحقوق التي كانت تتبع باريس مباشرة، وكانت أصغر فتاة اعترفت بها الصحافة كصحفية تعمل إلى جانب دراستها في صحيفة الأهرام في السابعة عشر من عمرها، وقبل أن تنهي دراستها أسست أيضا صحيفتين بنفس الاسم " الامل" احدهما باللغة العربية والثانية بالفرنسية..  أنها بالتأكيد منيرة ثابت أول صحفية سياسية وأول نقابية بنقابتي المحاميين والصحفيين وأول رئيسة تحرير وأول فتاة وقفت أمام النائب العام للتحقيق بتوجيه من المندوب السامي البريطاني بتهمة السب والقذب وهي تحت السن القانوني، وهي السيدة التي أثارت ضجة بكتاباتها حول قضايا المرأة وحقوقها السياسية وكذلك الاجتماعية

تزوجت منيرة ثابت (المولودة 1906) من كاتب معروف في نهاية العام 1927 فتركت عالم الصحافة، لكن الانفصال سرعان ما تم لتعود للعمل ضمن هيئة تحرير صحيفة الاهرام ولتعاود إصدار " الأمل" بشكل شهري بدلا من أسبوعي، وانطلقت في معاركها دفاعا عن استقلال وطنها وتحرير المرأة التي كانت قد بدأتها من اللحظة الاولى

في سن 19 في حوار لها مع مجلة الهلال عام 1925 قالت: إن كان للحجاب أثر في مصر الآن كما يزعم البعض فهذا لا يوجد إلا في طبقات قليلة، فلحركة السفور ( نزع هدى شعراوي وصفية زغلول للحجاب) تأثير كبير وجميل في نفوس السيدات، ولكن لايزال السفور يقابل بشيء من الاضطراب في نفس الرجل المطبوع بطابع القديم الذي لم يتعود ان يرى في وجه المرأة الصراحة والقوة والنزاهة

أضافت منيرة ثابت في نفس الحوار ان الرجل والمرأة يجب أن يكونا على قدم المساواة في الزواج والطلاق وان الزواج يجب أن يتم من دون أي وصاية او وكالة، كما يجب أن يكون بواحدة فقط وألا يكون هناك أي تعدد، وألا يتحكم الرجل وحده في حق التطليق ... وكانت منيرة ثابت قبل هذا الحوار بعامين قد تصدت لسعد زغلول ولدستور 1923 لانه لم يعط المرأة حقوقها السياسية، حيث كانت قد تقدمت بعريضة إلى سعد زغلول (رئيس مجلس النواب حينها) تطالب بحق المرأة في الانتخاب، كما كانت أول إمرأة مصرية تتقدم إلى البرلمان في بداية العام 1927 بطلب رسمي مؤكدة على ما طالبت به من قبل

استمرت عميدة الصحفيات المصريات في دعم مطالبها بحجج قوية وعبارات نارية استطاعت من خلالهما لفت نظر بعض السياسيين والمفكرين واستمالتهم للوقوف إلى جانبها خصوصا فيما يتعلق بالحقوق السياسية للمرأة وحقوقها المساوية في العمل، كان في مقدمتهم البرلماني المحامي اسماعيل وهبي والأديب سلامة موسى وانطوان زكري أمين المتحف المصري والكاتب مصطفى أمين الذي وصف كتابتها "بالقنبلة" التي توقظ الضمائر

ظلت أمينة ثابت على مواقفها لم تتنازل أو تهادن يوما، تلك الكتابات التي كانت ملهمة لفارسة الحركة النسائية درية شفيق وغيرها، وظلت هكذا حتى قيام الثورة فكانت في مقدمة المتحمسات حيث اندفعت تجاهها بكل قوتها ونشاطها لمساندتها معتبرة أن الحراك الثوري هو الضامن لحقوق المرأة، والشيء نفسه فعلته درية شفيق حتى جاءت الصدمة بأن مشروع الدستور الجديد لا يتضمن أي حقوق سياسية للمرأة مما جعلها تصعد من حملاتها الصحفية ودفع بدرية شفيق أن تضرب عن الطعام في نقابة الصحفيبن إلى أن صدر تعهد رسمي بأن ينص الدستور على الحقوق السياسية الكاملة للمرأة، وهو ما حدث للمرة الأولى في دستور 1956 الذي كفل للمرأة التساوي في العمل وحق الانتخاب والترشح بالتساوي مع الرجل، وقد دفعت كلا منهن الثمن غاليا

في العام 1957 دخلت راوية عطية وأمينة شكري مجلس الأمة (النواب) كأول سيدتين في تاريخ مصر، ومنعت منيرة ثابت عن عمد من دخول المجلس فيما وضعت درية شفيق تحت الاقامة الجبرية في منزلها 13 عاما حتى وفاة جمال عبد الناصر .. ثم توالت الهزائم حيث صدر في 1960 تأميم الصحافة وانتقال ملكية الصحف بشكل انتقائي إلى الدولة، فتوقفت جريدة " الأمل" نهائيا بشكل رسمي عن الصدور، وهو ما جعل منيرة ثابت تعتكف حزنا بعدما فقدت كل شيء، فقد انكسر قلمها وتم خنق صوتها وحوصرت كلماتها حتى فقدت بصرها حزنا وكمدا، ولأن الأموال قد صودرت كانت وساطة الأوفياء لتسافر سيدة الكلمة إلى الخارج للعلاج ليعود إليها بصرها في العام 1964 ، لكنها عادت وكأنها قد تركت روحها بعيدا، حيث اعتزلت الحياة حتى غادرتها فعليا في 1967 بعدما منحتنا الكثير ولم نمنحها سوى النسيان





Commentaires

  1. دائما يدفع الابطال/البطلات الثمن و من يحصد لا يقدره. نهاية درامية محزنة 😢

    RépondreSupprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

سيزا نبراوي تتحدى نفسها وجمود مجتمعها(3)

وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت