واضربهن ... سند القوانين في إهانة المرأة

 

يطلق المصريون لفظة (مسخرة) في اللهجة العامية، بفتح الميم، على القول أو التبرير أو الموقف الذي يتخطى الهزل أو الضحك، وأحيانا تستخدم للتعبير عن الاستياء في مواقف وأوضاع شديدة الجدية لكن محصلتها أشد قتامة من الكوميديا السوداء، أو تستخدم عندما يصل تغليف الحق بالباطل لدرجة تتخطى حدود ما يتقبله العقل 

بصدق  لا أعرف لماذا تلح كلمة (مسخرة) على ذهني كلما رغبت في وصف قوانينا التي تتفنن في القمع والاستهانة والتمييز تجاه المرأة إلى حد قتلها معنويا بدم بارد وضمير مرتاح. بالفعل نحيا منذ عقود طويلة في قلب المسخرة، والاعجب أننا كل فترة ولأسباب عجيبة نفرح بعمل رتوش لها يتم تسويقها على انها تعديلات، أما الأدهى فعلا أن يتساءل البعض في بلاهة منقطعة النظير: ماذا تريد المرأة أكثر مما حصلت عليه؟، والجريمة أن يسكن مثقفونا القبور كلما توقعنا منهم موقفا جادا

صحيح أن قانون الاحوال الشخصية المصري تعكف حاليا لجنة قانونية الآن على تغييره وليس تعديله، ونتمنى جميعا أن يصدر منصفا للمرأة بحسب التوجه الذي تم الإعلان عنه. لكني ابشركم أن هذا القانون ليس وحده الذي يهدر كرامة وكبرياء المرأة، فقانون العقوبات يمكننا ان نتحدث عن تعنته ضد المرأة ولا حرج، لكننا سنكتفي هنا بمثال واحد فقط لاغير لنرى أين تقف المرأة المصرية في 2022

لنبدأ بالسؤال: لماذا تصمت المرأة في أغلب الاحيان على ضربها ممن يفترض أنه شريك حياتها؟ ولماذا تلجأ ميسورة الحال إلى الخلع؟ ولماذا لا تستطيع أن تكسب جنحة ضرب ضد زوجها، وبالمناسبة هي تستطيع رفعها لكنها ستخسرها حتما

توجد مادة في قانون العقوبات المصري لو بحثت النساء العربيات في قوانين كل بلد ستجدها بل ربما ستجد الألعن منها، هذه المادة تنص على: "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية" مادة 60

بدون تفسيرات عقيمة أو استهلاك مساحات لتوضيح المعنى، تضرب المرأة يا سادة من دون أي عقوبة بقوة القانون على مرأى ومسمع منكم، وبالمناسبة هذا يجيب بما لا يدع مجالا للشك على كل من يفسر الايات بأن الضرب بالسواك أو بالياسمين، فأبواب محاكم الجنح والجنايات لا تستقبل قضايا الضرب بالسواك وحديثنا هنا منصب على قانون العقوبات، ترى ماذا تريد المرأة أكثر من هذا، الرجل ضربها بنية سليمة لم يكن يقصد جرحا أو كسرا او أي تشوهات أخرى، وعموما هي لو متضررة من عدم إنصاف قانون العقوبات لها، فأمامها المحاكم الشرعية بالطبع ليس لتقتص منه ولكن لتطلق ولكن عليها أن تحضر شهودا رجل أو إمرأتين

الأكثر قسوة من هذه المادة اللعينة أن القانون لم يكتف بمنع المرأة من أخذ حقها فقط، لا بل أنه قد جردها من أي حق من الدفاع المشروع عن نفسها، كأن تضربه مثلا كي يتوقف أو تقذفه بشيء عله يعي بشاعة ما يفعله. فالمادة رقم 246 من قانون العقوبات قد اشترطت " أن الدفاع الشرعي عن النفس يكون ضد جريمة" وبما أن القانون نفسه وبسند شرعي يبيح للزوج ضرب زوجته مادامت نيته سليمة، فلا جريمة إذن بل على العكس هي من يتم مقاضاتها وحبسها إذا ما تقدم الزوج بشكوى ضدها

قد نتغاضى قرفا ونحن نتابع المبررات والترقيعات ونعتبرها جزءا من تشوهاتنا، أما ما يصيب بالغثيان هو التساؤل عن كتابنا ومفكرينا ومثقفينا، عن السياسيين والثوريين ونشطاء حقوق الإنسان الذين لا يتوقفون أمام المواثيق العالمية إلا بحسب الأهواء، لنقول لهم ما هو دوركم على وجه التحديد؟ وعن أي مجتمع تتحدثون حينما تلقون بشعاراتكم في وجوهنا؟ ما هو مفهوم الحريات لديكم؟ نصف المجتمع معتقل داخل زنازين مواد القانون ولا تأبهون، بل ربما لم يكلف غالبيتكم نفسه من الأساس ليطلع على وضع المرأة في القانون على الرغم من أنها وصمة عار تلطخ جبين كل من يدعي أنه مهموم  بترسيخ دعائم الحريات والكرامة الانسانية







Commentaires

  1. رائعة انت صدقا..مقال يضع اصبعه على دمامل وجروح تنخر المجتمع المصري او بعض المجتمعات العربية التي ما زال فكرها يعبر عن عقلية القرون الوسطى..والتي فيها ظلم كبير واهانات مخزية للمراة والحط من قيمتها ووجودها..كم هذا مؤسف 😡😭
    الف شكر سيدتي...ولا املك الا ان احني قامتي تواضعا اما نبلك وشجاعتك وصدق احساسك ورقي تفكيرك..واشد على يديك بحرارة للنضالات التي تخوضينها في هذا المجال وكل النساء الأحرار لتكون المراة المصرية في حال افضل..وليتها تعي بعمق ازمتها ومشاكلها..لانها لو لم تتغير وتظل حبيسة عقلية الرجل العربي المتسلط والمريض ستنجب لنا جيلا محبطا ومقهورا ومهزوزا وذليلا ومستعبدا يشبهها تماما..

    RépondreSupprimer

  2. رائعة انت صدقا..مقال يضع اصبعه على دمامل وجروح تنخر المجتمع المصري او بعض المجتمعات العربية التي ما زال فكرها يعبر عن عقلية القرون الوسطى..والتي فيها ظلم كبير واهانات مخزية للمراة والحط من قيمتها ووجودها..كم هذا مؤسف 😡😭
    الف شكر سيدتي...ولا املك الا ان احني قامتي تواضعا اما نبلك وشجاعتك وصدق احساسك ورقي تفكيرك..واشد على يديك بحرارة للنضالات التي تخوضينها في هذا المجال وكل النساء الأحرار لتكون المراة المصرية في حال افضل..وليتها تعي بعمق ازمتها ومشاكلها..لانها لو لم تتغير وتظل حبيسة عقلية الرجل العربي المتسلط والمريض ستنجب لنا جيلا محبطا ومقهورا ومهزوزا وذليلا ومستعبدا يشبهها تماما..

    RÉPONDRE

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. عزيزتي شكرا لك ... المرأة المصرية لن تعي أزمتها مدامت تتربى على أن طاعة الزوج من طاعة الاله وان الرجل قوام عليها وله السلطة العليا عليها سواء أكان أبا أو أخا أو زوجا أو حتى أبنا

      Supprimer
  3. الشكر لكل كلمة تعبر عن رأيك في المقال، وشكرا لهذا الدعم وشكرا للاهتمام بالتعليق

    RépondreSupprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

سيزا نبراوي تتحدى نفسها وجمود مجتمعها(3)

وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت

الجزء الثاني _ منيرة ثابت المرأة التي فقدت بصرها كي ترى النساء النور