العلاقة الطردية الفاسدة بين التشدد والشماتة
لم يعد هناك أي تشابه في التركيبة النفسية لشعوبنا بين ما كنا عليه منذ اربعة عقود أو خمسة وبين ما نحن عليه الان
هل يشير هذا من قريب أو بعيد إلى أننا نحاكي في هذا كافة بلدان العالم المتقدمة؟ الاجابة السريعة البديهية هي بالطبع لا، فهذه الدول تستلهم من الماضي دروسا ترسخ في الحاضر بعض ما يستفاد منه، وتنتقد بعضها وتعتذر عن البعض، لتسير نحو المستقبل بخطى أفضل واكثر إنسانية عما قبل
أما نحو ففي الاتجاه العكسي تماما منذ أن سيطر على مجتمعاتنا الفكر الديني المنغلق المتطرف التراثي الذي يرى في الموت حياة، ويرى الحياة سبيلا لتحقيق أوهامه أو هوسه بالسيادة، لذا يتفنن في تشويه الحاضر من خلال محاربته لكل معاني الحياة التي تختلف مع رؤيته ولا يتطلع إلا إلى الماضي متفننا في تزييفه منطلقا الى المستقبل ليحقق ليجسد هذا الماضي مستعيدا مشاهده حالما بأنه سيغزو ويبيد ويستعبد ويسيطر على ثروات ومقدرات الشعوب يحلم بالبطش والسبي كحق من حقوقه الأصيلة فقط ليحقق ما يتصوره بأنه وعد رباني بحكم العالم كله، وبهديهي أن يكون هناك خليفة واحد فقط يحكم هذا العالم (هذا ما يتردد وليس مجرد تخمين)
إن أتباع هذا التيار الداعشى الهوى ليسوا ببعيدين عنا أبدا بل حولنا وبيننا، أو ربما العكس هو الصحيح نحن من أصبحنا على الحافة ندور من حولهم بعدما تغلغلوا إلى العقول وبثوا سمومهم عبر بعض المنابر خصوصا في الاحياء الشعبية أو المناطق الريفية إلى جانب السيطرة شبه الكاملة على السوشيال ميديا كلها كتابة وصوتا أو صورة
تسللوا إلى ادمغتنا وألسنتنا وأسلوب تعاملنا مع الاخر أو حتى مع أنفسنا، والنتيجة أن غالبية النفوس قد تغيرت والوجوه تحجرت والعلاقات الانسانية توترت ومشاعر الاخوة والتسامح في مسيرتها قد تعثرت، وهذا ما نلاحظه في كل شيء حتى عدم الشماتة التي تربينا عليها كقيمة أخلاقية حتى وإن كان صاحب المصاب عدوا، قد تبخرت في الهواء وصارت الشماتة واجبا والفرح في مصاب المخالف في الدين أو المذهب أو الفكر ونهج التفكير ابتهالا وتضرعا، وقد تابعنا جميعا حجم الشماتة في د. نوال السعداوي أو د. محمد شحرور أو الحكم على المستشار أحمد عبده ماهر أو وفاة فنان او فنانة والقائمة طويلة جدا
أصبحت المشاعر المملوءة بالبغض تنضح وتفيض علانيةوكأنها تتباهى بالقدرة على الكراهية، ولم لا ومساحات السواد والغل تزحف كل يوم بقوة على مجتمعاتنا، لدرجة المعايرة بالمرض أو بفقدان غالي أو عزيز
فلهم ابتلاء ولغيرهم عقاب، متخذين من مخزون التراث تبريرا وذريعة، ذلك التراث الذي شحن ويشحن مشاعر البغض ويرفع من سقفها لتصيب كل البشر مرسخة للعنصرية والاقصاء وكل مشاعر الكراهية، حتى تحول صب اللعنات والأحقاد على كل من مخالف لطبيعة أفكارهم سمة لمن يريد التقرب من الاله. وكأنها استراتيجية للاستسلاء مشرعنة ومغلفة بتبريرات قادرة على قمع الآخرين داخل شرنقتهم كطريق أمثل لإجهاض كل محاولات للحداثة بل والقضاء علي أي رصيد حضاري لدينا وكأننا جميعا لم نولد إلا من رحم ال 1400 سنة الماضية
هكذا يتوهمون أنهم يصنعون الغد وأنهم بغرورهم وفقدان بصيرتهم يستطيعون التقدم في مسيرتهم بكل ما تحملها من بشاعات، في كل الاحوال لو كانوا ان سيطرتهم مؤقتة وزائلة ويتجاوزون هذه الحقيقة فهذه مصيبة، وإن كانوا يصدقون فعلا اوهامهم فهذه هي الحماقة بعينها
Commentaires
Enregistrer un commentaire