سيزا تنتفض من أجل زينب وكل النساء (2)

 

                      سيزا نبراوي أمام صورة هدى شعراوي

في الجزء الاول تحدثنا عن زينب التي فقدت والدتها في عمر 10 شهور، وكيف قامت عديلة هانم نبراوي( ابنة خالة والدتها) بتبنيها ومنحتها اسم سيزا ولقب عائلتها فصارت زينت محمد مراد سيزا نبراوي، وهو الاسم الذي عاشت به حتى وفاتها عن عمر يناهز 88 عاما، عاشت سيزا مع ماما عديلة التي سافرت بها بعد فترة  1905 إلى باريس لتحيا حياة سعيدة حتى تجاوزت 15 عاما، لتفقد أمها مرة أخرى وذلك بانتحارها بسبب علاقة مسمومة مع زوجها، وتحول زوج ماما عديلة إلى قاتل في نظر سيزا فساءت العلاقة بينهما لذا قرر عودتها إلى القاهرة لتكتشف أن لها أبا وأنه مختلف تماما في رؤيته ومعاملته للفتاة عما نشأت وتربت عليه، ولأنها في الاساس إبنة أسرة معروفة في إحدى قرى محافظة الغربية فرض عليها أبيها ارتداء البرقع والجلباب الاسود الفضفاض بل والخنوع كما بنات عائلتها وقريتها، ثم ضاق بها في النهاية فأرسلها إلى جدها في القاهرة الذي قام برعايتها طبقا لأوامر أبيها، إلى أن سيطر التمرد ورفض الحياة على سيزا فأعتصمت في حجرتها

لم تخرج سيزا من تلك الحجرة التي اغلقتها على نفسها في بيت جدها رافضة أي طعام او شراب إلا بعد وصول السيدة هدى شعراوي اقرب صديقة لماما عديلة، وتحدثت معها طويلا وبالفعل منحتها كما كتبت سيزا نفسها فيما بعد "شجاعة لم تكن تحلم أن تمتلكها يوما" لتبدأ المسيرة

اقتنعت سيزا بما اقنعتها به هدى هانم شعراوي من أن الوقت لم يحن للمواجهة والحصول على حقوق للمرأة، وأن عليها الانخراط في العمل الأهلي كبداية لكسر الشرنقة، وهو ما فعلته سيزا بكل حماس حتى العام 1919 الذي يعتبر بكل المقاييس عاما فارقا في حياة من تصدرن النضال النسائي في ذلك الوقت

في 1919 كانت المظاهرة النسائية الكبرى التي لم تشهد مصر مثلها من قبل، والتي دعت إليها السيدة صفية زغلول تحديدا لتكون في 16 مارس 1919 اي بعد اسبوع واحد من الثورة الشعبية الكبرى، كما اطلق عليها. تلك المظاهرة التي استقبلتها نساء وفتيات على طول المسيرة في الشرفات والنوافذ بالهتافات والزغاريد والترحم على الدماء التي سالت أثناء الثورة الشعبية، وارسال تحية لكل من سقطوا  من أجل الحرية في مواجهة الانجليز .. انطلقت المظاهرة يتصدرها هوانم مصر ووجهها المشرق اللاتي انضممن إلى صفية زغلول وهدى شعراوي وسيزا نبراوي واستر فانوس وفاطمة اليوسف ( زوزاليوسف) وحرم قاسم أمين وغيرهن.. وتلك المظاهرة هي السبب وراء تخصيص يوم 16 مارس "يوم المرأة المصرية" الذي يهل علينا كل عام من دون ان يذكر السبب بل يمر مرور الكرام إلا من بعض الكتابات هنا او هناك، حتى أن الاجيال الجديدة لا تعلم اسباب اختيار هذا اليوم على وجه التحديد او ما يعنيه من معان

 وفي عودة لذلك اليوم تسجل الاحداث أن عددهن بلغ حينها 300 إمرأة وفتاة .. انقسمن إلى صفين متوازيبن وكانت سيزا نبراوي كما وصفت شعورها، كأنه يوم عرسها، ووصف الرافعي مشهد المظاهرة ( سارت السيدات في صفين منتظمين، وجميعهن تحملن أعلاما صغيرة، وطفن الشوارع الرئيسية في موكب كبير، هاتفات بحياة الحرية وبالاستقلال وسقوط الحماية وعودة زعيم الأمة سعد زغلول.. لفت موكبهن انظار الشعب فقوبلن بالتصفيق والهتاف في الشوارع، والزغاريد والحماس من النساء في الشرفات، وقد خرج أكثر اهل القاهرة رجالا ونساء لمشاهدة مشهد لم يسبق له نظير، فأخذتهم جميعا الحماس ورددوا مع المتظاهرات نفس الهتافات)

وهنا لا يمكننا تجاوز تلك اللحظة من دون الوقوف بإجلال أمام ابنة حي الجمالية التي دفعت حياتها ثمنا لتمردها

سقوط حميدة خليل 

كانت المظاهرات مشتعلة قبل المظاهرة النسائية الكبرى بأسابيع، وفي إحد الايام تحديدا 14 مارس 1919 خرجت المظاهرات بعد صلاة الظهر خاصة من مسجد الحسين، وفوجيء الجميع بفتاة مجهولة تتصدر الصفوف، لا يعرفها أحد لكنها تجاوزت الجميع لتكون في المقدمة، وعلى مرأى من المتظاهرين تناثرت دمائها بعدما صوب الانجليز بنادقهم إلى صدرها، فسقطت "حميدة خليل" إبنة الجمالية أحد أحياء مصر الشعبية، ليغدو مشهد اغتيلها هو المحرك الرئيسي لكل الأحداث التي تلتها، وهي من أججت اصرار هدى شعراوي وفي الأساس صفية زغلول ومن معهن للخروج بعد مقتل حميدة بيومين

قد روت سيزا نبراوي أن المظاهرة النسائية كانت لحظة فارقة في حياة نساء مصر، وأن الانجليز لم يتمكنوا من قتل إحدانا وتأكدنا فيما بعد انهم كانوا يستهدفون ابناء الطبقة المتوسطة وكأنهم يقتلون بحسابات خاصة، فبعد 27 يوما من مقتل حميدة خليل لحقت بها في 11 ابريل فتاة تدعى شفيقة محمد من حي المناصرة، وقد أصدرت السيدة هدى شعراوي ونحن إلى جانبها بيانا حول مقتل الفتاتين.. أما سيدات المظاهرة الكبرى فقد اكتفت قوات الاحتلال بقطع الطريق عليهن قبل وصولهن الى بيت الأمة ( منزل سعد/ صفية زغلول)، فمكثن تحت حرارة الشمس نحو 3 ساعات بملابسهن الخانقة التي كانت مفروضة في ذلك الوقت، ووجوههن المغطاة بالبرقع، حتى سمحوا لهن بالمرور

بديهي أن سلسلة قتل فتيات الطبقة المتوسطة كلما شاركن في مظاهرة جماعية مطالبات بالحرية لم تتوقف، فبعد بيان مقتل الفتاتين سقطت كل من سعدية حسن من حي بولاق الشعبي، ثم شفيقة عشماوي التي نظم لها ابناء الحي جنازة مهيبة وكأنها كانت جنازة لها ولكل الفتيات اللاتي سقطن من قبلها

هكذا خطت سيزا نبراوي خطوتها الاولى والقوية تجاه تحقيق اهدافها، وهو ما يجعل للحديث بقية

Commentaires

  1. سقطت كل من سعدية حسن من حي بولاق الشعبي، ثم شفيقة عشماوي التي نظم لها ابناء الحي جنازة مهيبة وكأنها كانت جنازة لها ولكل الفتيات اللاتي سقطن من قبلهاسقطت كل من سعدية حسن من حي بولاق الشعبي، ثم شفيقة عشماوي التي نظم لها ابناء الحي جنازة مهيبة وكأنها كانت جنازة لها ولكل الفتيات اللاتي سقطن من قبلها..شيئ موجع سيدتى يقتل عن عمد كل مشاعر التعاطف..ماهذه القسوة؟

    RépondreSupprimer
  2. الاكثر وجعا أن الكثيرون لا يعرفون عنهم اي شيء 🙏🙏

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. يا يا ريت هذه الاحداث الدامية وهذا النهح الثاءر الذي صارت فيه نساء مصر المناضلات يقع ترجمته إلفلم او مسلسل يحكي عن شجاعة وروعة هؤلاء النسوة امام اجبروت الاحتلال وغكرسته ولتدرك المراة تحديدا ان الحقوق التي حصلت عليها اليوم ليست مجانية بل كتبت بدماء الشهيدات
      كل الشكر والامتنان لك استاذة فابيولا على هذا المقال

      Supprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

سيزا نبراوي تتحدى نفسها وجمود مجتمعها(3)

وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت